الجمعة 1 صفر 1442 هـ

الموافق 18 سبتمبر 2020 م

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، والشكر له على ما أولى من نعم وأسدى، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندخرها عنده، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، نجوم الهدى ومن سار على نهجهم واقتفى إلى يوم الدين.

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، تقربوا إليه بطاعته، والإكثار من ذكره وشكره، وحسن عبادته، تودّدوا إليه بالتحدث بنعمه، والإحسان إلى خلقه، تعرفوا إليه في الرخاء، يعرفْكم في الشدة، إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى، ومن خاف اليوم أمِن غداً، والربح لمن باع الفاني بالباقي، والخسران لمن سدّت مسامعه الشهوات، وآثر الحياة الدنيا.

معاشر المسلمين: لقد أجمع الأطباء والعلماء والحكماء وجميع العقلاء، أن الوقاية خير من

العلاج، أو ما يُسمَّى بالأمن الوقائي، أو بالعبارة الشرعية الأصيلة: الدفع أولى من الرفع، فإن مما يتفق عليه العُقلاء جميعاً، أن منع وقوع الشيء المكروه، خيرٌ وأولى من رفعه بعد وقوعه، وشريعتُنا الغرَّاء جاءت حاضَّةً على المُبادرة والمُسارعة بالأمور الدافعة للمكاره، قبل أن تحِلَّ بالمرء والمجتمع. فمن ذلك: قوله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) ، ومنه قوله سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) فنهى عن القُرب منها؛ لأن القُرب سببٌ في الوقوع فيها، وهذا دليلٌ على وجوب الوقاية. وقد جاء في السنة المطهَّرة، ما يُؤكِّد هذا المعنى صراحةً؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) وقال صلوات الله وسلامه عليه مخاطباً كل مسلم ومسلمة: (اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ)

عباد الله: إن مبدأ (الوقاية خيرٌ من العلاج) مبدأٌ شاملٌ لكل شؤون الحياة، وإن من الخطأ: قصرَه على المجال الصحيّ فحسب؛ بل إنه يمتد إلى المجال الغذائي والعلمي والفكري والإعلامي والاقتصادي والسياسي على حدٍّ سواء، وإن الجهد الذي يُبذَل في الوقاية في ذلكم كله، ينبغي أن يكون أسبق، وأن ينال اهتمام جميع الفئات في المجتمع بصورةٍ أكبر مما يُبذَل في العلاج، وهنا مكمنُ شعور كل فردٍ مسلم وإدراكه للعواقب، والتوجُّس من الخطوب والنكبات والمدلهمات.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وحديثنا هنا نخصه بالجانب الصحي الوقائي ،  فإن كنتم تستطيعون أن تمنعوا المرض أن يستوطن أجسادكم، فَلَهُو والله خير ألف مرة من أن تتركوه يصيبكم لا قدر الله، ثم تداوونه وتعالجونه! ولئن حصنتم أبواب منازلكم ونوافذه لأنلا يدخلها عقرب أو ثعبان، لَهُو أيسر ألف مرة من أن تتخاذلوا في التحصين، فيدخلان ثم تحاولون طردهما! ولئن تكفوا ألسنتكم، فلا تنطق بما يوجب عقوبة، لَهُو أسلم ألف مرة، من تطلقوها ثم تتعذروا وتعتذروا أو تعاقبوا وتطردوا! وصدق من قال: (الوقاية خير من العلاج)…

عباد الله: وأحوج ما نكون إلى إعمال هذه الحكمة الرائعة الصادقة: (الوقاية خير من العلاج)، إذا لم يكن هناك علاج معروف للمرض أصلاً، بل تكون الوقاية هي العلاج الأوحد المعروف إلى الآن، وفي هذه الأزمة التي ينتشر فيها وباء الكورونا، الذي يحصد الأرواح ويحرق المهج والأكباد، في كل مكان من العالم، لا تكون (الوقاية خير من العلاج) فقط؛ بل تكون (الوقاية هي العلاج نفسه) فهو شعار نرفعه في هذه الأزمة التي نحياها والتي تزداد فيها حالات الإصابة بهذا الوباء، شعار يقول: (الوقاية هي العلاج). وأعلم أنه سيخرج علينا من يقول: وهل تلك الوقاية تمنع قضاء الله تعالى أن ينزل؟! وهل تلك الوقاية، تحمي من كَتَبَ الله له أن يصاب فلا يصاب؟! بل هي ضعف إيمان بقضاء الله وقدره، وخلل في التوكل عليه سبحانه؟! هكذا يهرف الجاهلون بما لا يعرفون، ويتقاول المتواكلون! ونجيبهم: بأنه ورد في الحديث الصحيح، بأنه قد جاء رجل مجذوم  (مصاب بالجذام وهو مرض معد) مع وفد ثقيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايع ويسلم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا قد بايعناك فارجع)، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أقوى الخلق إيمانًاً وأعظمهم توكلًا على الله، يأخذ بأسباب الوقاية، ويقبل من المجذوم مبايعته مشافهة عن بعد دون مصافحة، دفعاً للعدوى. فالتوكل على الله عز وجل، لا ينافي الأخذ بالأسباب.

ومرة أخرى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بأن يأخذوا بأسباب الوقاية من الأوبئة والطواعين؛ فعن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ) . فأما كون المسلم لا يدخل بلداً وقع فيه الطاعون فسببه وقاية نفسه من أن يصيبه ذلك الوباء إذا دخل على المبتلين، وأما كونه لا يخرج من البلد التي وقع فيه الوباء، ففيه وقاية للناس خارج ذلك البلد، من أن ينتقل إليهم البلاء والوباء. وفي هذا أصل لما يسمونه اليوم: (بالحجر الصحي) أو (العزل الصحي)، ولقد حدث أكبر وأشهر حجر صحي في زمان الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه؛ فعن عبد الله بن عباس: أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما، خَرَجَ إلى الشَّأْمِ، حتَّى إذَا كانَ بمكان يسمى سَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأجْنَادِ، أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأَصْحَابُهُ، فأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بأَرْضِ الشَّامِ. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ لي عُمَرُ: ادْعُ لي المُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ، فَدَعَوتهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، وأَخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قدْ وقَعَ بالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قدْ خَرَجْتَ لأمْرٍ، ولَا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عنْه وقَالَ بَعْضُهُمْ: معكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأَصْحَابُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لي الأنْصَارَ، قال أبن عباس: فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهَاجِرِينَ واخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي مَن كانَ هَا هُنَا مِن مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِن مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ منهمْ عليه رَجُلَانِ، فَقالوا نَرَى أنْ تَرْجِعَ بالنَّاسِ ولَا تُقْدِمَهُمْ علَى هذا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصَبِّحٌ علَى ظَهْرٍ فأصْبِحُوا عليه، قَالَ أبُوعُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَاراً مِن قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ، أرَأَيْتَ لو كانَ لكَ إبِلٌ هَبَطَتْ وادِياً له عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُما خَصِبَةٌ، والأُخْرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ، وإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بقَدَرِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ – وكانَ مُتَغَيِّباً في بَعْضِ حَاجَتِهِ – فَقَالَ: إنَّ عِندِي في هذا عِلْماً، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إذَا سَمِعْتُمْ به بأَرْضٍ فلا تَقْدَمُوا عليه، وإذَا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بهَا فلا تَخْرُجُوا فِرَاراً منه قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ). فقد رجع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم دون أن يدخلوا بلاد الشام مطبقين الحجر الصحي، وآخذين بمبدأ (الوقاية خير من العلاج).

وما أحوج المسلمين اليوم، إلى فهم هذا المبدأ العُمَري: (نَفِرُّ مِن قَدَرِ اللَّهِ إلى قَدَرِ اللَّهِ)، إن أخذك يا عبد الله بأسباب الوقاية هو من أقدار الله، وابتعادك عن العدوى هو من أقدار الله، ومكثك وبقاءك في بيتك هو من أقدار الله تبارك وتعالى.

وفي القلب المؤمن تستقر عقيدة تقول: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) تستقر هذه العقيدة جنباً إلى جنب إلى عقيدة: (أعقلها وتوكل) كذلك تستقر عقيدة: (لا عدوى)؛ أي: لا عدوى مؤثرة بذاتها وطبعها وإنما التأثير بتقدير الله، تستقر بجانب عقيدة: (وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ)

فالمسلم يوقن أن الأمر كله بيد الله عز وجل وحده، وموقن كذلك أن الأخذ بأسباب الوقاية من هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذي أُمرنا بإتباعه.. والأخذ بأسباب الوقاية لا يقتصر على البشر بل يتعداهم إلى الحيوان الأعجم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأصحاب الأبل): (لَا يُورِدُ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ) لأن الجرب الرطب قد يكون بالبعير، فإذا خالط الإبل أو أحتك بها وأوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذي يسيل منه)

أيها المؤمنون:إن حفظ النفس مقصد من مقاصد الدين، بل هو من الضرورات الخمس التي أمر الإسلام بصيانتها، وقد حذرت الشريعة الإسلامية، من إيقاع النفس في مواطن الهلاك، فقال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)  وقد قال بعض أهل العلم: (صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان)، والمعنى لن تكون هناك شريعة وعبادات تنفذ، بدون أجساد سليمة قادرة على تنفيذ تكاليف الشرع التى فرضها الله عز وجل.. ويُستدل لذلك بما رواه جابر رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: ‏(قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ ويَعْصِبَ) وأيضاً فإن دين الإسلام رخَّص للمسافر وللحامل وللمرضع وللمريض الفطر في نهار رمضان، لأن ذلك يشق على أبدانهم وبناء على ذلك نقول: يخطئ من يفرط في الأخذ بأسباب الوقاية، ويخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، ويحمل في رقبته ذنب من تسبب في نقل الوباء إليهم إن كان يعلم بمرضه ثم اختلط بالناس متعمداً…

نسأل الله عز وجل أن يحفظنا جميعاً بحفظه وأن يكلأنا برعايته، وأن يشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يرفع البلاء والوباء عنا والمسلمين إن ربنا هو البر الرحيم.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى اله   وأزواجه وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: أمام هذه الأوبئة والأمراض يتبَيَّن لنا ضعفَ البشرِ وقلَّةَ حيلتهم، فمهما أُوتُوا من علوم وتقدم في الطب تجدهم عاجزين عن معرفة طريقة انتشار الوباء المرض، وإذا عرفوا الطريقة عجزوا عن إيجاد العلاج لها، ثم في نهاية الأمر يسلمون بالأمر الواقع، ويعلنون أن هذا المرضَ أصبح وباءً عالمياً عامًّاً.

واعلموا رحمكم الله أن ما يصيب هذه الأمة والبشرية عامة، من بلاء ووباء ومصائب ونكبات، فبما كسبت أيدي الجميع وما اقترفوه من ذنوب ومعاص ومخالفات،  وصدق الله العظيم، (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وقال تعالى: (أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ) (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِى كُلِّ عَامٍۢ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم) وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ  وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً  يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ) وقال صلى الله عليه وسلم حينما سألته أم سلمة رضي الله عنها: (أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ نَعَمْ  إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) وتيقنوا رحمكم الله أنه لا يرتفع البلاء إلا بالتوبة إلى الله عز وجل والرجوع إليه والتضرع له جل وعلا،(فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة) قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

وكل خير والله وبالله وتالله في الرجوع إلى الله عز وجل، والدعاء، والاستغفار والتوبة.

عباد الله: شريعة ديننا الإسلامي تحرم الضرر والإضرار، وأعظم الإضرار، الاعتداء على الآخرين بنقل الأوبئة والإمراض، فيجب شرعاً على من بلي بمثل هذه الأمراض المعدية أن يعالج ويحجر نفسه وأن لا يعدي غيره، وأن يفعل كل الأسباب الممكنة لدفع الضرر عن والديه وأهله وأبنائه ومجتمعه ووطنه ولا يتهاون ولا يستهتر، فأمر المرض هنا لا يتعلق به وحده، بل له آثاره المدمرة على الأرواح في بيته ومجتمعه، ووطنه، وحفظ الأرواح مقدس في شريعة الإسلام.. إن الواجب على كل مواطن ومقيم في هذه البلاد العزيزة أن يلتزم بكافة التعليمات والإجراءات الاحترازية، التي تصدر عن الجهات المختصة فإن ذلك مطلب شرعي وواجب وطني، وطاعة لتوجيهات ولاة الأمور.. حرصاً منهم على سلامة الناس، وحمايةً لهم ولأولادهم وللمجتمع، وحثاً لهم على الالتزام بالتباعد الجسدي والاجتماعي وتجنب المصافحة باليد أو المعانقة أو تقبيل الآخرين، والاكتفاء بإلقاء التحية والسلام، وغسل اليدين بالماء والصابون باستمرار، ولبس الكمام، وتجنب لمس العين أو الأنف أو الفم إلى جانب تجنب الاختلاط  بالناس أو حضور المجالس العامة والتجمعات، ولزوم البقاء في البيوت وعدم الخروج إلا للضرورة وتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى الجميع ألَّا يستهينوا ويستخفوا بمثل هذه التحذيرات، أو الالتزام بهذه الإجراءات،  (فكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) ومن ذلك حِفْظُ من تقومون على رعايتهم وأبعادهم عن أسباب الهلاك. (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) نسأل الله تعالى أن يحفظنا وبلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين من كل سوء وبلاء ووباء ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلال والمحن، وسيء الأسقام والأمراض، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا البحرين خاصة وعن سائر بلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين. اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ياسميع الدعاء..نستغفر الله، نستغفر الله، نسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَنتُوبُ إلَيهِ.. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، أن تكتب الشفاء العاجل لسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، اللهم أحفظه من كل سوء ومكروه، ومتعه بالصحة والعافية، وأمد في عمره ورده إلى أرض الوطن سالماً معافى يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق المسئولين في فريق البحرين الوطني ورجال جيشنا وأمننا، وصحتنا وإعلامنا وجميع المتطوعين، اللهم اجزهم خير الجزاء وأوفاه، على ما قدموا للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلماءهم وشبابهم وفتياتهم ونسائهم ورجالهم يا سميع الدعاء، اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً.. اللهم حرر الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، ورده إلى حوزة المسلمين، واجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، ولِلمُسلمين والمُسلمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين